منذ أشهر عدة لا صوت يعلو على صوت كورونا في مقالات الرأي العربية.. عشرات وربما مئات المقالات تُكتب كل يوم عن هذه الجائحة التي هزت العالم.. ليس هذا لأن معظم الكتاب العرب مختصون في الكتابة عن الأوبئة وتبعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.. بل لأن الكتابة عن أي موضوع آخر باتت كتابة هامشية غير مغرية للقراء الذين تحاصر حياتهم هذه الجائحة من جميع الاتجاهات.
والحقيقة أن معظم كتاب الرأي العرب (قبل جائحة كورونا وبعدها) يتبعون نظام (ما يطلبه القراء) لأنهم ببساطة لا يعولون على آرائهم الشخصية وقناعاتهم الحقيقية، وغالباً ما يفتقدون الشجاعة لمواجهة الجمهور بما لا يعجبه، ولذلك يعيدون صياغة رأي القارئ ويقدمونه له على طبق من ورق مع بعض التنميق الكتابي، معتقدين أنهم بذلك يحققون جماهيرية أكبر ويفوزون بالسلامة من المشاكل وهذا فخ كبير شديد الإغراء، ومن الصعب الخلاص منه.
الكاتب الحقيقي كما يقول توفيق الحكيم هو: «دائماً كل وليس جزءاً.. بل إن طبقات الكتاب تختلف باختلاف قدرتهم على هذه الكليّة، فالكتّاب العظام في نظري هم أولئك القادرون على الارتفاع بالمشاعر والأفكار».
والكليّة التي يشير إليها الحكيم هنا لا تعني الانفصال عن الواقع كتابياً كما قد يظن البعض، وإنما تعني التحرر من سلطة الجمهور التي تحول الكاتب آلياً إلى مجرد ببغاء اجتماعي وصوت لا قيمة حقيقية له.
كثيرون يخلطون بين مهمة الصحفي ومهمة كاتب الرأي مع أن الفرق بينهما كبير جداً.. فالصحفي ينقل الخبر وهو عين الجمهور ومرآة الشارع، أما كاتب الرأي فهو صوت الوعي ومشعل التنوير القادر على رؤية وتحليل الأحداث بزاوية خاصة تقتنص ما فات الجمهور ووسائل الإعلام وتعلق الأجراس إن لزم الأمر.
كل هذا يجعل مهمة «كاتب الرأي» في غاية الصعوبة ولكنها ذات قيمة حقيقية تضيف للوعي الجمعي والثقافة الإنسانية، وتخدم المجتمع فعلياً حتى إن خالفت موجاته الجماهيرية العابرة أحياناً، لأن البحث عن بقع الضوء والارتماء فيها عملية في غاية السهولة ويجيدها كل الناس جاهلهم قبل مثقفهم، بل إنها الموهبة الأساسية للغوغاء والتافهين وركّاب الموجات في كل زمان ومكان.
أيضاً ينبغي أن يفلت الكاتب من فخ الاستغراق التام في شبكات التواصل الاجتماعي، فمن المحزن أن تصبح عناوين معظم مقالات الرأي في الصحافة العربية الرصينة ملخصاً لـ«هاشتاقات تويتر» خلال ذات الأسبوع.. هذا أمر مقبول في تحقيقات تخصصها الصحف لمتابعة ما يدور في العالم الافتراضي.. أما أن يتحول كاتب الرأي إلى مراسل لشبكة تويتر في الصحيفة فهذا أمر مثير للسخرية في نظري وينسف قيمة الكاتب وما يكتب على المدى البعيد.
كاتب سعودي
Hani_DH@
والحقيقة أن معظم كتاب الرأي العرب (قبل جائحة كورونا وبعدها) يتبعون نظام (ما يطلبه القراء) لأنهم ببساطة لا يعولون على آرائهم الشخصية وقناعاتهم الحقيقية، وغالباً ما يفتقدون الشجاعة لمواجهة الجمهور بما لا يعجبه، ولذلك يعيدون صياغة رأي القارئ ويقدمونه له على طبق من ورق مع بعض التنميق الكتابي، معتقدين أنهم بذلك يحققون جماهيرية أكبر ويفوزون بالسلامة من المشاكل وهذا فخ كبير شديد الإغراء، ومن الصعب الخلاص منه.
الكاتب الحقيقي كما يقول توفيق الحكيم هو: «دائماً كل وليس جزءاً.. بل إن طبقات الكتاب تختلف باختلاف قدرتهم على هذه الكليّة، فالكتّاب العظام في نظري هم أولئك القادرون على الارتفاع بالمشاعر والأفكار».
والكليّة التي يشير إليها الحكيم هنا لا تعني الانفصال عن الواقع كتابياً كما قد يظن البعض، وإنما تعني التحرر من سلطة الجمهور التي تحول الكاتب آلياً إلى مجرد ببغاء اجتماعي وصوت لا قيمة حقيقية له.
كثيرون يخلطون بين مهمة الصحفي ومهمة كاتب الرأي مع أن الفرق بينهما كبير جداً.. فالصحفي ينقل الخبر وهو عين الجمهور ومرآة الشارع، أما كاتب الرأي فهو صوت الوعي ومشعل التنوير القادر على رؤية وتحليل الأحداث بزاوية خاصة تقتنص ما فات الجمهور ووسائل الإعلام وتعلق الأجراس إن لزم الأمر.
كل هذا يجعل مهمة «كاتب الرأي» في غاية الصعوبة ولكنها ذات قيمة حقيقية تضيف للوعي الجمعي والثقافة الإنسانية، وتخدم المجتمع فعلياً حتى إن خالفت موجاته الجماهيرية العابرة أحياناً، لأن البحث عن بقع الضوء والارتماء فيها عملية في غاية السهولة ويجيدها كل الناس جاهلهم قبل مثقفهم، بل إنها الموهبة الأساسية للغوغاء والتافهين وركّاب الموجات في كل زمان ومكان.
أيضاً ينبغي أن يفلت الكاتب من فخ الاستغراق التام في شبكات التواصل الاجتماعي، فمن المحزن أن تصبح عناوين معظم مقالات الرأي في الصحافة العربية الرصينة ملخصاً لـ«هاشتاقات تويتر» خلال ذات الأسبوع.. هذا أمر مقبول في تحقيقات تخصصها الصحف لمتابعة ما يدور في العالم الافتراضي.. أما أن يتحول كاتب الرأي إلى مراسل لشبكة تويتر في الصحيفة فهذا أمر مثير للسخرية في نظري وينسف قيمة الكاتب وما يكتب على المدى البعيد.
كاتب سعودي
Hani_DH@